كيف يفكر المجرمين؟ التشوهات العقلية لدى المجرم
المخ البشري هو أحد أكثر إبداعات الخالق تعقيداً، ويصعب علينا فهمه ودراسته أحياناً، حيث إنه يضم نحو 86 مليار خلية عصبية. تلك الخلايا تتواصل عبر تريليونات الوصلات العصبية، وعددها يفوق عدد النجوم في مجرة درب التبانة. أما الألياف العصبية التي تربط بينها فتقدر مسافتها مجتمعة بمسافات قد تمتد إلى مئات الآلاف من الكيلومترات.
يُعتبر فهم العقل الإجرامي من أهم المواضيع التي تهم الباحثين في علم النفس الجنائي وعلم الاجتماع. تطورت النظريات حول أسباب السلوك الإجرامي عبر العقود، وتناولت العوامل النفسية والاجتماعية والبيولوجية. في هذا المقال، سنناقش التشوهات في عقول المجرمين من حيث التشوهات المعرفية والنفسية، والعوامل المؤثرة، مثل الظروف الاجتماعية والبيولوجية والوراثية.
التشوهات المعرفية والنفسية
تُعتبر التشوهات المعرفية أحد العوامل الرئيسية التي تفسر السلوك الإجرامي. يشير هذا المفهوم إلى أن بعض الأفراد لديهم طرق مشوهة في التفكير، تجعلهم يرون العالم والأشخاص من حولهم بصورة مختلفة عن الآخرين. من الأمثلة على هذه التشوهات:
- الأنانية المفرطة: حيث يرى المجرم أن احتياجاته ورغباته تفوق أهمية حقوق الآخرين.
- العجز عن التعاطف: يعاني العديد من المجرمين من قصور في التعاطف مع الآخرين، مما يجعلهم غير قادرين على الشعور بآلام ضحاياهم.
- التبرير: يقوم بعض المجرمين بتبرير أفعالهم الخاطئة، ويعتقدون أن سلوكهم مبرر لأسباب معينة مثل الظروف الشخصية الصعبة أو المظالم التي تعرضوا لها.
التأثيرات البيولوجية
تشير بعض الدراسات إلى أن العوامل البيولوجية قد تلعب دورًا في تشكيل العقول الإجرامية. فبعض المجرمين يعانون من اضطرابات عصبية أو تشوهات دماغية تؤثر على قدرتهم على التحكم في تصرفاتهم. ومن الأمثلة على ذلك:
- الاضطرابات في قشرة الفص الجبهي: تلعب هذه المنطقة من الدماغ دورًا رئيسيًا في اتخاذ القرارات والتحكم في الانفعالات. الأضرار أو التشوهات في هذه المنطقة قد تزيد من احتمالية السلوك العدواني.
- الاضطرابات الجينية: تشير بعض الأبحاث إلى وجود ارتباط بين بعض الطفرات الجينية وزيادة احتمالية السلوك الإجرامي، مثل جين MAOA الذي يُعرف بأنه قد يؤثر على العدوانية عند البشر.
العوامل الاجتماعية والبيئية
لا يمكن إغفال التأثير الكبير للبيئة الاجتماعية في تشكيل عقلية المجرمين. فالعديد من الأفراد الذين يتحولون إلى الجريمة ينشؤون في بيئات مضطربة يظهر فيها العنف، الفقر، وتفكك العلاقات الأسرية. بعض العوامل الرئيسية تشمل:
- البيئة الأسرية: الأطفال الذين يتعرضون للإساءة الجسدية أو العاطفية أو الذين يعيشون في أسر مفككة هم أكثر عرضة لتطوير سلوكيات إجرامية.
- التنشئة الاجتماعية: الأفراد الذين يكبرون في بيئات تعزز السلوك العدواني وتدعمه معرضون لارتكاب الجرائم أكثر من غيرهم.
- الضغوط الاقتصادية: الفقر والبطالة يمكن أن يدفعا بعض الأفراد إلى الجريمة كوسيلة للبقاء على قيد الحياة أو لتحقيق القوة الاجتماعية والاقتصادية.
الاضطرابات النفسية
تلعب الاضطرابات النفسية دورًا هامًا في تفسير بعض أنواع الجرائم. قد يعاني بعض المجرمين من اضطرابات الشخصية المعادية للمجتمع أو الاضطرابات السايكوباتية، والتي تجعلهم غير قادرين على الشعور بالندم أو الذنب. ووفقًا للأبحاث، الأشخاص الذين يعانون من هذه الاضطرابات قد يتسمون بصفات مثل:
- اللامبالاة تجاه الآخرين: لا يشعرون بالندم أو الذنب تجاه أفعالهم.
- السعي وراء الإثارة: قد يرتكبون الجرائم فقط من أجل البحث عن الإثارة والمتعة.
- التلاعب بالآخرين: لديهم قدرة على التلاعب بالآخرين لتحقيق أهدافهم دون اعتبار للعواقب.
المراجع
Cleckley, H. (1988). The Mask of Sanity: An Attempt to Clarify Some Issues About the So-called Psychopathic Personality. Mosby.
يعد هذا الكتاب من الأعمال الرائدة في دراسة الشخصية السيكوباتية، حيث قدم تفصيلًا حول صفات الشخصية السيكوباتية وتأثيرها على السلوك الإجرامي.
Raine, A. (2013). The Anatomy of Violence: The Biological Roots of Crime. Pantheon Books.
يقدم رين نظرة شاملة على الأسس البيولوجية للسلوك الإجرامي، مع التركيز على دراسة الدماغ والوراثة.
Eysenck, H. J., & Gudjonsson, G. H. (1989). The Causes and Cures of Criminality. Springer.
يناقش هذا الكتاب نظريات حول أسباب الجريمة وكيف يمكن معالجتها، مع التركيز على العوامل النفسية والبيولوجية.
Blackburn, R. (1993). The Psychology of Criminal Conduct: Theory, Research, and Practice. Wiley.